19835.jpg

مصائر المختطفين وتصبحون على وطن.. بقلم آرا سوفاليان

مصائر المختطفين وتصبحون على وطن.. بقلم آرا سوفاليان

زمام الأمور كلمة رصينة والامسك بها هو من واجبات الدولة وفي حال اختلال هذه الواجبات فهذا سيؤدي الى ضياع المواطنة ثم ضياع الوطن.

ضعاف النفوس يجدون في الحرب فرصة سانحة فيغرسون انيابهم في جسد الوطن بغية ايقاعه وعند ذلك تطيب لهم الامور ويتحررون من كافة القيود.

الفرق بين ضابط الشرطة والمجرم هامش بسيط فضابط الشرطة يستغل عبقريته في تطبيق العدالة والقاء القبض على المجرم وانتزاع الاعتراف وتحويله للقضاء والمجرم يستغل عبقريته في الخروج عن النظام وتعذيب الضحايا واستغلالهم والحصول على غايته ثم التخلص منهم فهو انسان بلا مبادئ بعكس ضابط الشرطة الذي تحركه مبادئه…الدولة هي التي تعرف التمييز بين الاثنين وتحركهم وفق ما ترغب.

في اميركا تعقد الصفقات مع المجرمين ويتم تحويلهم من ناحية الجريمة الى الناحية المعاكسة ويعتقدون ان المجرمين السابقين هم من افضل حماة العدالة عندما يتم تطويعهم وحرف اتجاهاتم الى جهة القانون.

الكارثة الكبرى هي ان يتم تحويل الشرطة والمسؤولين بشكل عام الى مجرمين عن طريق التهاون معهم وعدم المسائلة وهذا يحدث عندما تخاف المناصب الاعلى على كراسيها بسبب افتقادها للشرعية فتترك زمام الامور للناس الذين في القاعدة الادنى فيسود هؤلاء ويميدون ويدفع الناس الثمن.

النظرية النازية لا تسمح لهؤلاء بالتمدد ولا ان يتحولوا الى أسياد على حساب العدالة وحقوق المواطن فلا تغفل القيادة عن مراقبتهم فيتم التخلص منهم في اول بادرة للتنمّر وتغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الأمة بدون ادنى تنازل.

وقد حدث ذلك لهتلر عندما حاول الوصول الى منصب مستشارية الرايخ بالعدالة والوطنية ونشر القيم الالمانية والمبادئ العليا السامية وكاد ان يخسر…فنصحه صديقه ارنست روم بتشكيل كتائب منظمة تسيء للمعارضة وتدخل الى مقرات احزابها فتحطمها وتفشّل مؤتمراتها وتغتال المعارضين وتضرب وتنهب محلات اليهود وتكسر الاقفال وتروع الآمنين، واقتنع هتلر وتم تشكيل كتائب العاصفة وتم تسليمها لأرنست روم الذي جعل من الجريمة منهجاً للعاصفة وكتائبها وفرش الطريق بالسجاد الأحمر لهتلر واوصله الى المستشارية.

وسارع هتلر للتخلص من كتائب العاصفة وتخلص منها ومن ارنست روم وقال في كلمته المشهورة ” الجريمة لن تنفع المانيا التي انتقلت اليوم الى مستوى اعلى فألمانيا اليوم هي صاحبة رسالة سامية لا مكان فيها للعاصفة ولا لروم “

وتم التخلص من هؤلاء في ليلة السكاكين الطويلة حيث تم اعدام كل قادتهم بلا محاكمة وعندما تدخل روم قائلاً لهتلر…هؤلاء هم من اوصلك للحكم اجابه هتلر…” قف معهم ” وتم اطلاق النار على الجميع.

في هذه الحرب التي طالت سوريا ظهرت تجاوزات على العادات والتقاليد والاخلاق العامة عجزت الشياطين عن تفسيرها، خطف واجرام وسرقة وقتل وتعذيب طال النساء قبل الرجال وفي هذا انتهاك للأخلاق العامة والعادات التي تربينا عليها.

رجل يعتدي على ابنة ابنته وهي راضية واب يقدم ابنته للمجاهدين وحفنة من المجرمين يشكلون عصابة ويخطفون الناس ويطلبون فدية حتى اذا ما حصلوا عليها سارعوا بقتل المختطف.

في اوروبا واميركا القاعدة معروفة عند حدوث خطف يتم الاتصال بالشرطة وتتولى الشرطة الموضوع من الالف الى الياء ويمنع اهالي الضحية من اجراء اي اتصال مع المجرمين، اما عندنا فحاميها حراميها والكل شركاء الا من رحم ربي.

وهكذا انهارت منظومة الاخلاق وتكشّف معدننا الحقيقي الصدئ.

جحافل التعفيش التي لا يمكن ردعها صار همها الاوحد مضاعفة الغنائم، وممن ؟ من ابناء الوطن والشركاء واصحاب العيش المشترك في الوطن الواحد، ومن ابناء العم وابناء الخال ومن الاشقاء ومن الجيران، في دوامة لصوصية لها بداية وليس لها نهاية…لماذا نحارب وعن اية مبادئ ندافع ولماذا حدث لنا كل ما حدث؟ الجواب معروف كل واحد منا إلتقط دماغه من مستنقع القذارة الذي احيته سرائيل ووضعه في رأسه وسار به…فضاع الوطن.

لم نتعلم في عمرنا أن هذا الغرض ليس لنا وبالتالي وجدنا المبرر لأنفسنا لنتحول الى لصوص حتى على املاك الدولة، وهذا منذ الصغر ولم يردعنا احد…وسأورد هنا المثال الآتي لأبيّن ان الطفل يستطيع التفريق وبسهولة بين الخير والشر وممكن تعليمه ذلك وتلقينه الدروس.

في الشركة التي كنت امثلها في سوريا وهي شركة سويدية تم توزيع اقلام على الممثلين في انحاء العالم وانا منهم اقلام حبر من التيتانيوم عليها شعار الشركة وهذه الاقلام تعيش مدى الدهر ولا تتعطل حتى ولو وقعت على بوزها الف مرة وفيها خزان حبر لا ينضب في ظل الاستعمالات العادية لعشرات السنين والقلم مطلي بالذهب.

وكانت ابنتي الكبرى في الصف الرابع الابتدائي ووقع نظرها على القلم فطلبت مني ان تأخذه، قلت لها هذا ليس لي وهو للشركة ويجب عليّ اعادته، ولكنها لم تقتنع، وباستعمال حركات البنات صار القلم في حقيبتها، وكانت محاولتي الاخيرة لثنيها، ان هذا القلم ثمين جداً وأخاف ان يضيع منك او يأخذه واحد من اصدقائك، قالت لي: انت واهم لأن هذا لن يحدث.

وفي الصف كان هناك صبي يجلس معها على نفس الراحلة رأى القلم وطلب منها ان يكتب به، وفي الباحة طلب الاذن من المعلمة للصعود الى الصف لأن بطنه يؤلمه، وبعد انتهاء الفرصة صعد الطلاب الى الصفوف وبحثت ابنتي عن القلم فلم تجده، فنزلت الى الادارة وقرعت الباب وصارت في الادارة وكان المدير طبيب وجرّاح عيون وهو صديق شخصي لي وهي تعرفه ولا تخاف منه على الرغم من ان كل طلاب المدرسة وحتى طلاب الثانوي يخافون منه.

شرحت له القصة وطلبت منه ان يصعد معها حالاً الى صفها ليجد لها القلم، قال لها نحن في اجتماع مجلس ادارة المدرسة انتي اصعدي الى صفك وبعد الاجتماع سأحضر الى الصف لحل هذه المشكلة، قالت له: اريد القلم الآن فإن رجعت الى صفي ستنسى انت الموضوع وسيتهمني ابي بأنني لا أعرف المحافظة على اغراضي وفي كل الاحوال سأقول لأبي وهو صديقك انني طلبت مساعدتك وانت لم تنجدني…حدق المدير بها ثم بأعضاء مجلس الادارة وقال لها تعالي اجلسي هنا وانتظريني.

وعاد الرجل ومعه القلم وصعدت الى صفها لتكتشف انها لم تعد جارة هذا اللص، اما الطريقة التي استعاد فيها القلم فكانت مرعبة، وقال لي المدير: ان هذا الطفل لن يفكر في عمره ان تمتد يده على غرض ليس له…يجب ان اقول اننا افتقدنا لهذه الطريقة من التربية، وأن في القصاص حياة.

في العام 2000 وهو عام الانترنيت في سوريا كتبت في المركز الاقتصادي السوري ثم في سيريانيوز تحدثت عن الصياغ الذين تم ذبحهم وسرقة محتويات محلاتهم وصرف هذه المبالغ في دور العهر والكازينوهات على طريق المطار، وتحدثت عن سرقة دار اهلي عندما تم طلب اخي لرؤية المجرمين الذين تم القبض عليهم، وجيء بهم من السجن لتمثيل الجريمة وكانوا يصافحون رجال الشرطة وكأنهم اصدقاء قدماء، وكانوا ثلاثة وقد سرقوا كل المصاغ الذهبي الذي كان في البيت، وأعادت الشرطة كاميرا سخيفة هي لعبة اطفال ولم يعيدوا غرام واحد من الذهب المسروق وقال الضابط لأخي: يا رجل انت والله بدون قلب هؤلاء قد يظلوا في السجن عشر سنين فمن سيصرف على معيشتهم، فقال له أخي: هل انا وذهب زوجتي يجب ان نتكفّل في الانفاق عليهم؟، والاهم من هذا وذاك مذيع التلفزيون في برنامج الشرطة في خدمة الشعب طلب من اخي ان يقول في البرنامج ان المسروقات عادت وانه ينام الآن قرير العين.

ايها القرباطي اللعين انت وجماعتك من القرباطية انتم تضحكون على الذي وضع الأمانة في اعناقكم وتضحكون على الشعب الذي يحرم اولاده اللقمة ليدفع رواتبكم وتسدّون الطريق امام الاشراف.

قال له أخي: دعني اذهب الى عملي فيكفي الوقت الذي ضاع…فأجابه المذيع ستذهب الى التلفزيون وتتحدث بما قلته لك وان لم تحضر سنحضرك بسيارة شرطة.

تحدثت كثيراً عن الفساد ونشرت لي سيريانيوز كل مقالاتي دون حذف سطر واحد فطار عقلي، وظننت اننا في سوريا نمشي في طريق جديد، وخفت كثيراً بعد ان رأيت انه تم تفكيك صارية الاعدام التي كانت منتصبة في شمال ساحة العباسيين الى ان وقع الفأس في الرأس ووصلنا الى هنا.

وكثرت حوادث القتل والجرائم والسرقة والخطف ولم يعد من المفيد تغطية الشمس بالغربال وضاع الصالح تحت قدمي الطالح وحدث الذي حدث دون القيام بأدنى خطوة ايجابية لمحاصرة الضرر.

ما معنى ان يتسلط البعض على الهوندايات التي تحمل الارزاق ويتم فرض خوة على اصحابها بقوة السلاح؟ كيف يحدث هذا وكيف نسكت عنه ؟ اليس هذا طعام الشرفاء الذين بقيوا وهم لا يعلمون بأنه لم يبق لهم شيء؟ الحرب قد انتهت الآن فما هو مبرر بقاء هؤلاء.

من يستطيع الانكار بأن سوريا صارت بلد منكوبة، عشرة زلازل وعشرون فيضان لا يفعلون ما تم فعله في سوريا…لا ارزاق ولا اشغال ولا محلات ولا مصانع…لقد تم نهب كل شيء…فمن اين سيتدبر الناس ثمن لقمة العيش او ثمن رغيف الخبز الحاف على اقل تقدير.

لماذا لا يتم توزيع لقمة العيش على الناس بالمجّان، لماذا لا يتم القاء القبض على اللصوص الذين صارت بيدهم كتلة لمال العام والخاص ومصادرة هذا المال الحرام لصالح خزينة الدولة لإعادة توزيعه على الجياع، الى متى سينتظر الناس القيام بأول خطوة ايجابية؟

لماذا لم نبدأ حتى اليوم بعمل ارشيف للمختطفين وتحديد مصائرهم ونشر صورهم وتسوية اوضاعهم المدنية…ولماذا لا يتم كشف مصائرهم بعد التحقيق العنيف مع الفاعلين ولماذا لا يتم عمل منصة إحراق للمجرمين وهم احياء بعد انتهاء التحقيق ودعوة اهالي الضحايا للاشتراك في هذا الاحتفال…وماذا يهمنا من دول العالم والرأي العام العالمي ان تمّ نعتنا بالهمجية وهم كانوا في احسن الاحوال داعمين او متفرجين لما حدث في سوريا من بداية الاحداث وحتى اليوم.

انتظرنا كثيراً قبل صدور هذا البيان من وزارة الداخلية وعندما صدر، صدر بالترميز المقرف السابق المدعوان ( ع . ح ) و( م . ف )، هل سمعة المدعوان اشرف من شرف المواطنين الذي اريق وهل يجب ان نصون سمعتهم ولا نفضحهم بأسمائهم الحقيقية ونشر صورهم؟

اين مرجوحة الاعدام في ساحة العباسيين؟ ومن هو الذي أخفاها ولماذا لا نراها زاخرة بزبائن جدد صباح كل يوم؟

وزارة الداخلية : قسم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تمكن من إلقاء القبض على مجرمين خطيرين، وهما المدعوان ( ع . ح ) و( م . ف )، وبالتحقيق معهما اعترافا بإقدامهما مع عدة أشخاص متوارين على تشكيل عصابة تمتهن القتل والسلب والخطف بقصد الحصول على فدية مالية والجرائم التي ارتكبوها هي:

1) خطف شخص مع شقيقه من بلدة (حجيرة) وتعذيبهما بالكهرباء، وقتلهما ثم رمي الجثتين قرب أحد المسابح في البلدة.

2) خطف شخص مع زوجته من مزرعته في بلدة السيدة زينب، وإجباره بالبصم على عقد بيع مزرعته، ثم قتلهما،ورمي الجثتين في إحدى المزارع، وتقديم بلاغ باختفاء المغدورين لإبعاد الشبهات عنهم.

3) خطف أكثر من /٩٢/ مواطناً من أهالي بلدتي (حجيرة، وبيت سحم ) بقصد الحصول على فدية مالية، ثم قتلهم بإطلاق النار عليهم، ونقلهم ورمي جثثهم في بساتين بلدة (عقربا)، وترك شخص منهم بعد أخذ مبلغ مليون ونصف المليون ليرة سورية من ذويه .

4) خطف شخصين من أهالي بلدة السيدة زينب بقصد الحصول على فدية ،وعند تمنع ذويهما عن دفع الفدية قاموا بإطلاق النار عليهما ورمي جثتيهما.

5) قتل شخص أثناء وجوده في منزله ببلدة (حجيرة) وسرقة مبالغ مالية من منزله.

6) سرقة سيارات وممتلكات شخصية وأسلحة فردية من المواطنين وبيعها.

7) خطف شخص وسلب سيارته الخاصة بعد اعتراض طريقه وضربه، واحتجازه لمدة أربعة أيام، وتبصيمه على سندات فارغة وعقد بيع سيارته، وسرقة محتويات منزله ومحله، وبعدها بيومين قاموا بخطف ابنه الحدث للضغط عليه، ثم تركه، وقتل ابنه ورميه في بساتين (عقربا) .

نحن في مفترق طرق وعلينا اختيار واحد من هذه الطرق:

1 ـ البدء في استدراك ما فاتنا وترويع من روّع الشعب السوري
2 ـ ترك الغير يقرر مصائرنا ويمزقنا ويستولي على اراضينا
3 ـ تصبحون على وطن

آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الارمني
15 / 02 / 2018

scroll to top