19745.jpg

مجازر ونفي وترحيل.. سجل تركي حافل بانتهاك حقوق الأقليات

مجازر ونفي وترحيل.. سجل تركي حافل بانتهاك حقوق الأقليات

تعليقاً على اقتراح النيابة العامة التركية رفع الحصانة عن نائب أرمني بعد انتقاده العلني لحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ذكرت الصحافية التركية أوزاي بولوت أن النيابة العامة، تحركت بناء على المادة 301 من قانون الجزاء التركي.

وشرحت في معهد “غايتستون إنستيتيوت” أن هذه المادة تفرض السجن على “إهانة جمهورية تركيا، الأمة التركية، أو مؤسسات الحكومة التركية”.

وبدأ مكتب المدعي العام في دياربكر الإجراءات ضد غارو بايلان الذي انتُخب في 2015 نائباً عن حزب الشعوب الديموقراطي. ومنذ ذلك التاريخ، تعرض النائب للاستهداف على يد أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

وعلى سبيل المثال، هاجم نواب من الحزب الحاكم بايلان وزملاءه الحزبيين جسدياً في مارس (آذار) الماضي لأنه تحدث عن “التطهير العرقي” الذي تسلطه تركيا على الأكراد في سوريا.

وفي اليوم الموالي، غرد بايلان على تويتر “الليلة الماضية في البرلمان، حاول أعضاء حزب العدالة والتنمية إعدامنا دون محاكمة. يُظهرون بربريتهم في كل مكان. سنستمر في مقاومة الفاشيين، وسننجح”.

وفي مايو (أيار) 2017، تفرج أردوغان على اثني عشر من حرسه الشخصي يضربون المتظاهرين في واشنطن قبل إسقاط جميع الاتهامات ضدهم، باستثناء سبعة، وبشكل هادئ.

لكم وركل وشتائم

لم يكن الاعتداء على بايلان في جلسة انتخابية الأول من نوعه. ففي مايو (أيار) 2016، وبعد التصويت على مشروع قانون لرفع الحصانة عن بعض زملائه النواب المنتمين للحزب نفسه، تعرض بايلان للدفع واللكم والركل، على يد نواب من حزب العدالة ونعتوه بـ “أرمني ابن سفاح”.

واستنكرت لجنة اسطنبول لمناهضة العنصرية والتمييز التعرض للنائب موجهة رسالة إلى رئيس البرلمان، وجاء فيها: “الاعتداء الجسدي من قبل أعضاء من حزب العدالة والتنمية على أعضاء من حزب الشعوب الديموقراطي … والذي في الواقع ترك بعض أعضاء حزب الشعوب الديموقراطي مصابين، كشف بشكل جلي غياب حكم القانون، في هذا البلد”.

ووصفت الرسالة تصرف المعتدين بـ “جريمة كراهية عنصرية” أتت في وقت تُبذل فيه “جهود بارزة لتهميش حزب الشعوب الديموقراطي عن السياسة، وسجن النواب، ومنع الشروط الضرورية لتمثيل شعب”.

وأوضحت الرسالة أن الاعتداء العنصري على غارو بايلان، تحت سقف البرلمان، يخرق المعاهدات الدولية المناهضة للممارسات العنصرية والتمييز والتي وقعتها الدولة التركية، مثل المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، وإعلان وبرنامج عمل فيينا، وغيرها.

بقايا السيف

بعد بضعة أشهر، مُنع بايلان مؤقتاً من حضور جلسات برلمانية في يناير(كانون الثاني) 2017، بعدما قال: “بين 1913 و 1923، خسرنا في تركيا أربعة شعوب، الأرمن، اليونانيون، الأشوريون، واليهود فُقدوا. تعرضوا إما لمجازر كبرى وإبادات جماعية، أو لمبادلات سكانية، أو نفي… نحن المسيحيين كنا نشكل 40% من سكان البلاد. حالياً، بالكاد نشكل 1 من 1000. يبدو أن شيئاً حدث لنا. أدعوه إبادة جماعية. يمكنكم تسميته بما تشاؤون”.

وأضاف “يعلم الشعب الأرمني جيداً ما فُعل به… أعرف جيداً ما فُعله بأسلافي، بجدي. بالنسبة لكم أنا واحد من بقايا السيف، عبارة تركية مستخدة غالباً لوصف الناجين من المجازر ضد المسيحيين بحسب الكاتبة … من أجل تعلم الدروس … من الماضي، فلننظر إلى ذلك معاً”.

ووجهت كلمات بايلان بصرخات غاضبة من أعضاء الحزب الحاكم، قبل منعه من حضور ثلاث جلسات برلمانية متتالية، وشُطبت عبارة “الإبادة الأرمنية” من محضر الجلسة، بعد دقائق.

حجم الهستيريا

وأضافت الصحافية أن الهستيريا التي أثارتها كلمة بايلان لم تنحصر في أروقة البرلمان، نتيجة للكلمة ولمقابلته مع وسيلة إعلامية أرمنية في كندا، رفع مدير سابق لإحدى الجامعات شكوى جنائية ضده.

وقبل مكتب المدعي العام الرئيسي في أنقرة بالشكوى، وبحلول نهاية 2017، أذنت وزارة العدل التركية بفتح تحقيق رسمي في سلوك بايلان وفقاً للمادة 301.

إن العدائية ضد الأرمن منتشرة في المجتمع التركي، ومحمية من الحكومة كما هو واضح. وفي تجمع سياسي مؤيد لأردوغان في طرابزون في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 صرخ الحشد: “الأرمن أبناء السفاح لا يمكنهم ردعنا”. ولم يُعلق على ذلك لا أردوغان و لا الوزراء.

ورفع محامي بايلان بشكوى جنائية ضد منظمي التجمع وضد الذين أطلقوا الشتائم، مشيراً فيها إلى أن سكوت أردوغان على الشعارات المسيئة، سهل استهداف الأرمن. وأضاف “تأثر بايلان جداً بهذه الهتافات وتعرض لتهديدات وشتائم من قبل أشخاص تشجعوا من قِبلهم”.

قتل صحافي أرمني

لدى بايلان أسباب وجيهة للخوف على سلامته. في يناير (كانون الثاني) 2007، قُتل الصحافي الأرمني هرانت دينك خارج مكتب صحيفته في اسطنبول بطلقات نارية، وهو الذي عرف بإثارته علناً للإبادة الجماعية الأرمنية، وحوكم وفقاً للمادة 301، وتعرض لتهديدات كثيرة بالقتل.

وبعد 12 عاماً من مقتل دينك، لم تُحلّ قضيته. وبعد ثلاثة أعوام أيضاً، تعرض بايلان للاعتداء الجسدي واللفظي من قبل نواب أتراك، لم يقتصر الأمر على رفض السلطات التركية التدخل لتفادي مواجهة بايلان مصير دينك، بل ضاعف المدعون العامون جهودهم لرفع الحصانة عنه لمحاكمته، في تزييف صريح لعدالة من قبل نظام يُفترض أنه موجود لضمان وحماية العدالة.

وأشارت بولوت إلى تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 يناير(كانون الثاني) بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا إذا هاجمت الأتراك بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، قائلةً إن واشنطن ستفعل خيراً، لو سلّطت ضغطاً مماثلاً على أنقرة للتوقف عن انتهاك حقوق الإنسان، وتهديد الأقليات والنقاد مثل بايلان.

بقلم: جورج عيسى

scroll to top