19588.jpg

من حماقات ستالين.. بقلم آرا سوفاليان

من حماقات ستالين.. بقلم آرا سوفاليان

كان ستالين لا يحب الارمن، ويحقد عليهم، وكنت أعتقد أن ستالين هو الأب الروحي لكارثة ناغورنو – قره باخ وأمران آخران، ليتضح ان وراء الأكمة ما ورائها، فكل الذي سيرد تباعاً في هذه المقالة كان مجهولاً بالنسبة لي قبل اليوم. كثر الغمز واللمز عن ستالين وخاصة عن طفولته وشبابه وقيل انه عاش شبه يتيم، وحاول بعض الكتاب تشويه طفولته وتبرير عدائه الواضح للشعب الارمني فقالوا فيما قالوه عنه: هو إبن غير شرعي لأب أرمني وأم جورجية، وقيل ايضاً انه بعد وفاة والده اضطهده زوج امه وكان ارمنياً الى ما هنالك من هذه الاقاويل التي لا تستند الى براهين ولكن الثابت انه كان يكره الارمن ولأسباب لا نعرفها، ولد يوم 18 ديسمبر 1878 و مات يوم 5 مارس 1953 بجلطة دماغية.

كنت أظن أن جلّ ما فعله ستالين ضد الارمن ثلاثة أشياء:

1 ـ طلب إحضار خارطة الاتحاد السوفياتي وبجرة قلم سلخ ناغورنو – قره باخ ووهبها الى اذربيجان وكان فيها نصف مليون ارمني وقلة قليلة من الأذريين، فصارت ضمن حدود جمهورية اذربيجان، ولم يهتم اهل اذربيجان لهذا الضمّ فلقد كانت كل شعوب الاتحاد السوفياتي تحت الاضطهاد والانصهار في البوتقة السوفياتية بحيث لا يجرؤ أحد على رفع رأسه إلا ويدرك انه سيخسره، والكل يذوب وبصمت في بوتقة الاتحاد السوفياتي مكسور ومهيض ومقهور حيث لا يوجد أي اعتبار لرب أو لدين أو لمسجد أو لكنيسة أو للغة أو لقومية، فتعلمت شعوب الاتحاد السوفياتي على اللادينية والاباحية وهبوط القيمة السوقية للإنسان.

2 ـ وبجرّة قلم أعلن ايضاً عن ضم اقليم ناخيتشفان أو النخجوان (بحسب تسمية الفاتحين العرب) الى اذربيجان مع نزع ممر يربط بين اذربيجان الواقعة الى الشرق وناخيتشفان الواقعة الى الغرب لتأمين امكانية الوصول من اذربيجان الى ناخيتشفان وبالعكس، مع ان هذا الضم لم يكن ممكناً بحسب الطبوغرافيا وعلوم الخرائط الجيولوجية العسكرية خاصة وان اغلاق هذا الممر الشريط والواقع في جنوب ارمينيا سيؤدي الى عزل ناخيتشفان عن اذربيجان ومحاصرتها.
وهذا هو ما حدث اليوم لحسن الحظ، لأن ستالين لم يفكر بهذه المسألة ولم تساعده علومه العسكرية ورتبه ومناصبه ونياشينه من ان يحسب لهذا الامر أي حساب.

3 ـ كشف عن مبدأ خاص به ويسجل كبراءة اختراع بإسمه وهو نظرية اقتصادية سكانية اجتماعية تفرد بها وهي نظرية “التمازج الإقليمي لشعوب الاتحاد السوفياتي”

واقتضت هذه النظرية بتفريغ منطقة ناخيتشفان الارمنية من سكانها الارمن واسكان جزء منهم في جزر ساخالين في اقاصي شمال شرق الاتحاد السوفياتي فماتو هناك من الجوع لأن الجزر هذه جزر قاحلة وارضها لا تصلح لشيء، وإسكان الجزء الآخر في سيبيريا فماتو من الجوع والبرد، وهذه ابشع طرق القتل.

اليوم علمت ان لستالين مأثرة رابعة ضد الشعب الارمني، لم اسمع بها من قبل على الرغم من اضطلاعاتي الواسعة والهوس الذي اصابني في البحث عن هذه الجزئيات واقتحامها مهما كانت المصادر قليلة فتبين لي ان ستالين قام في بداية عهده بمأثرة نفي الأثرياء من الصيارفة وأصحاب البنوك والصناعيين الارمن أو الرأسماليين الارمن وأولادهم كما وردت اسماؤهم في ادبيات الفكر الشيوعي بعد مصادرة كل ما يملكونه من مصانع وأموال الى كازاخستان وهم بالطبع من المعارضين للشيوعية وللفكر الشيوعي.. وقد عاد اغلبهم الى المناطق التي تم تهجيرهم منها بطريقة او أخرى وبعضهم استطاع تهريب اولاده الى الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ولم يبق منهم في كازاخستان إلاّ أقليّة لا تتجاوز الـ 25 ألف أرمني.

والذي اعرفه عن كزاخستان وعن القوزاق وجيرانهم السيبيريون بشكل عام هو وطنيتهم وحبهم للعمل تحت قيادة المشير انستاس ميغويان في الحرب العالمية الثانية وميغويان هو صاحب اقتراح نقل معامل الاسلحة الجبارة الى الداخل السوفياتي وشغل منصب وزير الصناعات الحربية والتسليح الحربي في الحرب العالمية الثانية، اراد نقل هذه المعامل الى الداخل السوفياتي لكي لا تصل الطائرات الالمانية النازية الى هذه المعامل وتدمرها.. فطلب ميكويان ان يباشر عمله في تلك الاصقاع البعيدة بحيث يكون تحت امرته كل الجنود القوقازيين والسيبيريين والكازاخستانيين ليكونوا عماده الاساسي في خطة انقاذ الاتحاد السوفياتي من اجتياحات الوحوش النازيين.

وفي ليلة سيبيرية هادئة رن جرس الهاتف في مكتب انستاس ميغويان فكان المتصل ستالين وجرت المحادثة الآتية:

ـ كما توقعت في محادثاتنا السابقة فلقد جرى اليوم محاصرة موسكو وتطويقها بالكامل، وإذا كان نابوليون في السابق قد اكتفى بقرع اجراس الكرملين بمدفعيته فإن النازيين سيسحقون الكريملين ويطحنون حجارته تحت جنازير دباباتهم.

ـ لا يا سيدي هذا بعيد المنال فموسكو لن تسقط
ـ ماذا تفعل حيث انت بحق السماء؟
ـ انجز السلاح الذي وعدتك به وفي صباح الغد ستتحرك الاساطيل عبر الثلج لتصل الى موسكو
ـ ارجو ان تصل قبل ان يصيروا ضيوفنا هنا في الكريملين
ـ لا تخشى شيئاً يا سيدي لقد وصلوا الى اعتاب موسكو ولكنهم ليسوا في احسن الاحوال ها هم يسقطون جثث هامدة في ملابسهم الثقيلة واياديهم مخدرة ومتجمدة لا يستطيعون استخدامها للضغط على الزناد…لن يستغرق الامر اكثر من ثلاثة ايام للوصول اليكم، وحتى نصل يا سيدي ارجوا منكم عدم مغادرة موسكوا حتى لا تفوتكم حفلة الشواء المروعة التي اعددتها للنازيين.

ـ لا تتوقع ان يترك ستالين موسكو وإن سقطت موسكو قبل وصولك فعليك البحث عن قبري في احدى حدائق الكريملين.

وانتهت المكالمة هنا وكان ستالين يتمنى في قرارة نفسه ان يضمّ انستاس ميكويان الى حفلة الشواء هذه، فكيف سيسجل التاريخ ان ارمني انقذ موسكو من الدمار عندما كان ستالين يختبئ في احدى ملاجئ الكرملين، وكان هذا من أهون ما يقدر عليه ستالين ولكن في هذه المرة كانت موسكو أغلى من طموحاته التي ستضيع بضياعها.

ووصلت طلائع اساطيل النجدة في ثلاثة مسارات وكان المنظر كوميدياً لأن رجال الزحّافات من اهل سيبيريا والقوقاز والكازاخ يتقدمون المسارات بزحافاتهم ويلبسون معاطف الفرو العسكرية وبايديهم الروسيات والكلاشنكوف ويقومون بحركات الخفة والاستعراض والقفز نحو الاعلى والدوران والعودة الى لارض ويطلقون النار في الهواء، ولا بد ان الالمان يرون الاستعراض بالمناظير المكبرة ويضحكون.

وتم صفّ الشاحنات بأرتال لا تنتهي وارتفعت الصواريخ في الزاوية 45 وكشفت عنها الشوادر المغطاة بالثلج فكان لونها رمادياً مرعباً وبدأت السنة النار تندلع من نهايات الصواريخ فيسقط الصاروخ قرب الصاروخ واجساد الألمان تتطاير في الفضاء واثنان من خلف نوافذ الكريملين يشربون الفودكا ويتابعون ويضحكون الأول لا يدخن وهو المشير انسطاس ميكويان والثاني بيده اليمين الغليون وقدح الفودكا بيده اليسار.

ستون صاروخ من كل شاحنة كان يتم اطلاقهم في دقائق لتذهب الشاحنة ويتم تذخيرها وتعود الى موقعها مع سائقها ورماتها الذين ربما خلعوا بعض ملابسهم لشعورهم بالدفئ.

اسرع المشير فون باولوس واتصل بالفوهرر ودارت المحادثة التالية:
ـ سيدي الفوهرر هل رأيت الجحيم
ـ خسارتنا للحرب هي الجحيم عليكم الثبات وتدمير موسكو، ستكون هناك محاكمات ميدانية للجبناء ليتم اعدامهم.
ـ سيدي الفوهرر نحن في هذه اللحظة نعيش في الجحيم
ـ اثبتوا في مواقعكم حتى آخر جندي واطلقوا النار فوراً على الهاربين اثبتوا حتى آخر جندي فالنصر قادم.

وانتهت المكالمة ولا بد ان المشير فون باولوس في تلك اللحظة دار في خلده عبارة الفوهرر “اطلقوا النار فوراً على الهاربين” وسأل نفسه…من الذي سيجرؤ على الهروب والى أين؟

وتم اقتحام الملجأ الذي يختبئ فيه المشير فون باولوس وتم اخراجه وضباط اركانه من مخابئهم كما يتم اخراج الارانب السيبيرية من مخابئها.

هذا ما فعله الارمني انستاس ميغويان من اجل روسيا والاتحاد السوفياتي وهذا ما فعله ستالين في مكافأة الارمن.

واليوم حصلت على السر الذي لم اكن اعرفه (كنت أظن أن جلّ ما فعله ستالين ضد الارمن ثلاثة أشياء ظالمة…ليتبين لي اليوم ان هناك شيء رابع) وهو نفي الرأسماليين الارمن كما ذكرت الى كازاخستان وقد بقي اليوم ما يقارب الـ 25 ألف ارمني هناك !!! ويتم اليوم القاء الضوء على اوضاعهم بعد أقلّ من قرن على هذا النفي.

في مطعم أرمني فاخر في مدينة قرغندي الكازاخية ويدعى بمطعم روما القديمة وفي ليلة رأس السنة كانت هناك طاولة يجلس عليها لفيف من الشبان والشابات الارمن الكازاخيين يحتفلون بقدوم العام الجديد 2019 وليلة رأس السنة فتحرش بهم عدد من الشبان الأذريين مما ادى الى مشاجرة عنيفة نتج عنها مقتل مواطن كازاخي وجرح آخرين…عادت بي الذكري الى اساليب التحرش التي كان يرتكبها الاتراك ضد الارمن في العام 1915 لخلق بلبلة وتعكير الاجواء وكان الاسلوب الذي يكون تقريباً الاوحد التحرش بفتيات الارمن فتنشب على الفور مشاجرة لا تبقي ولا تذر.

وصلت الشرطة الى المكان وتم اعتقال شابان ارمنيان ويتم البحث عن الثالث ولا بد انه يتم حالياً تزوير الاعترافات والأدلة لإلصاق التهمة بالارمن وتجريمهم كما كان يحدث في ارمينيا الغربية المحتلة قبل العام 1915 وهكذا تنطفئ في جهة لتشتعل في جهة أخرى والمهم ان لا يهنأ الارمن بالاً وان لا يعيشوا بخير وان لا يبقوا بخير…لماذا يا ستالين القذر تنقل اسماك وتضعها في احواض الأفاعي…تمازج اقليمي؟؟؟ مزج الله روحك النتنة ونقلها الى اقرف مكان كما نقل الشعب الروسي تماثيلك وتماثيل معلمك الى مكبات النفايات.

واليوم تدور عشائر البدو من الكازاك في شوارع قرغندي وهي ترفع لافتات كتب عليها “اقتلوا الارمن” “احرقوا الارمن” وبدأت بالفعل قوافل من الرعاع في كسر محلات الارمن وسرقة موجوداتها في هيستريا ومسرحيات جنون لم يعرفها الارمن إلا في العام 1915 ولا زالوا يعانون من آثارها حتى اليوم.

ويعوّل الارمن آمالهم على من يعوّلون ليكتشفوا اليوم بأن روسيا وعاصمتها موسكو التي انقذها ميغويان تبيع اليوم السلاح المتقدم لأذربيجان وفي الغد لكازاخستان…رأسي يؤلمني بشدة وأنا متعب سأتناول ادويتي وأخلد للنوم لأنه لم يبق بيني وبين الجنون اللا خيط رقيق.

آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الارمني
11 / 01 / 2019

scroll to top