15842.jpg

تركيا.. حرية الاعتقاد وإغلاق الكنائس

تركيا.. حرية الاعتقاد وإغلاق الكنائس

حرية الاعتقاد لغير المسلمين في تركيا أصبحت جرحًا ينزف بمرور الوقت فقد أُخذت الكنائس والأديرة وأماكن العبادة من أيدي أصحابها في العديد من أنحاء تركيا وتم استخدامها لأهداف أخرى.

ميدل ايست أونلاين
اعداد: سيدارس غونيس

حتى وإن قال رئيس الجمهورية أردوغان “نحن لا نخف من الحرية الدينية؛ لأنّ من يثق في إيمانه لا يخاف من الحرية الدينية” في ظل هذا الوضع، فإن أخذ أماكن العبادة من أيدي الأقليات وتركهم في ظروف صعبة ليس حرية على الإطلاق.

لا يوجد مكان للأرمن من أجل العبادة في المدينة التي كانت تقاطع فيها الأجراس بعضها، في الوقت الذي لا يوجد فيها الآن إلا كنيسة سريانية واحدة. وبخلاف ذلك فإن ملكية الكنائس السبعة في المدينة تعود لمؤسسات الدولة.

مع التأميم في سور تم الاستيلاء على الأفنية الثلاثة التي تستخدمها الكنيسة البروتستانتية كحديقة لها، و12 محل مملوك للكنيسة الكلدانية وبيت ثقافة ديار بكر الثقافي والكثير من الأملاك العائدة للكنيسة الأرمنية ضمن عمليات التأميم.

بينما تستمر أصداء الزيارة التي قام بها طيب أردوغان رئيس الجمورية ورئيس حزب العدالة والتنمية لليونان، تلفت الانتباه بعض التفاصيل في التصريحات التي قام بها أثناء الزيارة.

أوضح أردوغان في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع تسيبراس رئيس الوزراء اليوناني أنه سيتم افتتاح كنيسة ستيفي ستيفان (الكنيسة الحديدية) البلغارية الموجودة في “بلاط” والتي يتم أعمال الترميم بها منذ سبع سنوات بتاريخ السابع من يناير، وقال “نحن لا نخف من الحرية الدينية، لأن من يثق في إيمانه لا يخاف من الحرية الدينية”.

ورد أليكسيس تسيبراس رئيس الوزراء اليوناني قائلًا: “تم تنفيذ أعمال ترميم في الكثير من أماكن العبادة في جزيرة ساكز الواقعة في سلانيك وفي جزيرة رودس على الحدود اليونانية مثل جامع الفاتحية. ولم نفكر في إقامة الاحتفالات الدينية للأرثوذوكس هنا. ولكني أريد أن أوضح بكل حزن أن هذا يحدث في أياصوفيا.”

كتب نائب مجلس الأمة عن حزب العدالة والتنمية شامل طيار على موقع التواصل الاجتماعي تويتر “مادام هكذا. فلتُفتح أياصوفيا للعبادة، وليكن ما يكن”، عقب تناول تسيبراس لاعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وعقب تغريدة طيار المنتمي لحزب العدالة والتنمية الداعية لفتح أياصوفيا للعبادة، قام مجموعة من أعضاء رابطة دراويش اسطنبول بالدخول إلى متحف أياصوفيا ورفعوا الآذان وأقاموا الصلاة. وأُطلق سراح المجموعة بعد إلقاء القبض عليهم والاستماع لأقوالهم.

وقام كورشات مرجان مساعد رئيس رابطة الدراويش ببث الصلاة في أياصوفيا مباشرة على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلّق عليها بهذا الشكل: “الحمدلله العلي. لقد أدينا صلاة العصر اليوم في جماعة بمسجد أياصوفيا. وبعدها قمنا بالدعاء والتكبير. نحن نعلم أنه لن يعش العالم الإسلامي التركي الرخاء دون إزالة لعنة أجدادنا علينا.”

لم تتوقف التصرفات الوقحة والهجوم الموجه للمعتقدات المختلفة في تركيا عند هذا الحد. فقد تم إغلاق مراكز العبادة المختلفة أو استخدامها لأهداف أخرى، أو تم تركها لقدرها فتهدمت. وقامت الدولة بوضع يدها على أراضيها وأملاكها.

ويمكن رؤية أمثلة على ذلك في ديار بكر. فالمدينة التي عاش فيها الأكراد والأتراك والأرمن والسريان والكلدانيين واليهود سويًا هي نقطة التقاء للتاريخ. وبحسب ما قيل يوجد في دياربكر 36 كنيسة. ويقال أنه في حالة القيام ببحث فسيصل هذا العدد لخمسين؛ لأن الكثير من الكنائس قد تم استخدامها لأهداف أخرى ونُسيت، أو اندثرت بسبب اهمالها.

وتعيش 13 كنيسة من بين الـ36 كنيسة المعروفة المصير نفسه. وتعرضت الكنائس الواقعة في الأحياء التي يستمر فيها حظر التجول في سور لأعمال تخريب كبيرة. وكانت بعض هذه الكنائس تستعمل أساسًا لأغراض أخرى. وفي ظل هذا الوضع بقيت كنيسة واحدة تقيم الشعائر الدينية وهي كنيسة الأم مريم السريانية.

تم تسجيل 664 أثر في مركز مدينة ديار بكر والقرى المرتبطة بها أثناء التنقيبات المستمرة منذ 2009م. من بينهم 11 كنيسة ومعبد يهودي واحد، واتضح أن الدولة هي صاحبة الكنائس السبعة الموجودة في المدينة.

إحدى هذه الكنائس هُدمت بشكل كامل وحتى اسمها غير معروف. أما الستة كنائس الأخرى فقد تم تخصيصها الآن لاستخدامات أخرى مثل المدارس والمراكز التعليمية.

ويوجد في مقاطعة سور الكثير من الأملاك التي تعود لأوقاف غير المسلمين. وقد أُخذت كل الأملاك بشكل سريع عقب إعلان حظر التجول ضمن عملية التأميم.

تم الاستيلاء على الأفنية الثلاثة التي تستخدمها الكنيسة البروتستانتية كحديقة للكنيسة، و12 محل مملوك للكنيسة الكلدانية وبيت ثقافة ديار بكر الثقافي والكثير من الأملاك العائدة للكنيسة الأرمنية ضمن عمليات التأميم. ولا تزال دعاوى الملكية التي رفعتها الأوقاف مستمرة.

اُستخدمت مدرسة سليمان نظيف الابتدائية الواقعة في سور ككنيسة لفترات طويلة. وتعرضت المدرسة المملوكة للإدارة العامة للوقف للخراب بسبب الإصلاحات الخاطئة التي تمت فيها في فترات مختلفة.

وتم تسوية الكنيسة التي تعرضت للخراب في وقت الحظر في سور بالأرض فيما بعد. وتعود كنيسة سان جورج (القس الأسود) المعروفة والمشيدة في القرن الرابع لوزارة الثقافة والسياحة. وقد قامت الوزارة بترميمها، واستخدمتها كمعرض فني.

كما تحولت الكنيسة الأورثوذوكسية السريانية الواقعة في حي باغلار ألبينار إلى خراب تقريبًا. ويجب ترميم الكنيسة التي توجد تراخيصها لوزراة المالية بشكل عاجل حتى لا تتهدم بشكل كامل.

أما مالك كنيسة الكاثوليك الأرمن الموجودة في مقاطعة سور فهي المديرية العامة للأوقاف. وتستخدمها رئاسة البلدية بعدما رممتها المديرية كمركز للأم والطفل والسيدات.

وأما كنيسة السريان الكاثوليك الواقعة في سور فتحولت الآن لمدرسة تملكها المديرية العامة للأوقاف. وقد تضررت كثيرا أثناء حظر التجول.

وأما كنيسة البروتستنانت الأرمن الواقعة في سور والتي تعرّض نسيجها الأصلي للتخريب، تؤول ملكيتها الآن إلى المديرية العامة للأوقاف. وتُستخدم كمركز للتدريب على صناعة السجاد بعد ترميمها. وقد تعرضت لخسائر جدية وقت الحظر.

وشكّل أهالي ديار بكر الذين يعيشون في اسطنبول إدارة الأوقاف من جديد عقب التعديلات القانونية التي جرت بخصوصها، كما بدأت أعمال الترميم به.

وتم ترميم كنيسة سورب جيراجوس الأرمنية بالمعونات التي تم جمعها في كثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وتم صرف حوالي اثنين مليون ليرة تركية من أجل ترميم الكنيسة. وقد بدا أن ترميم الكنيسة يستحق التكريم لأنه ترميم رائع ومهيب. وكانت الأعياد والشعائر الدينية والاحتفالات تقام في الكنيسة بعد الترميم.

كانت الكنيسة واحدة من المراكز التي يتردد عليها السياح المحليين والأجانب. وقد تعرضت للتخريب أثناء فترة حظر التجول ومن ثم تم نهبها. وقد سُرق الكثير من الأشياء منها وتعرض ما بقي للتخريب.

والكنيسة مغلقة منذ ثلاث سنوات، ولا يوجد كنيسة أخرى بإمكان الأرمن المتواجدين في المنطقة الذهاب إليها للعبادة.

وقد نُشرت صورة لضابط من العمليات الخاصة بتاريخ 11 فبراير في فترة حظر التجول على مواقع التواصل الاجتماعي وهو داخل كنيسة سورب جيراجوس مشيرًا بإشارة الذئب الأغبر (العلامة الخاصة بالأكراد)، وأحدثت ردة فعل. وكُتب بجانب الصورة “ديار بكر… سور… أحفاد السلطان ألب أرسلان يجلبون الإيمان للكفار الذين في الكنيسة…”

تحدث غفور توركاي عضو مجلس إدارة وقف كنيسة سورب جيراجوس الأرمنية عن الوضع قائلاً أن الكنيسة قد تم إغلاقها ولا يوجد مراكز أخرى للعبادة.

أوضح تركاي أن الكنيسة قد تعرضت لخسائر في فترة المواجهات وأنه لم يتم الإذن بدخولها لفترة طويلة، وقال أنهم قد حصلوا على الإذن من أجل الدخول بعد فترة طويلة ورأوا آخر أوضاعها.

“إن العمر الافتراضي للبيوت خارج سور 50 سنة، أما داخل سور فهو 7 آلاف سنة. عاصرت جميع الحضارات. انتهت جميعها مع الوقت ولكن أثرها بقي هناك. كانت أصوات الأجراس تختلط مع صوت الآذان في ديار بكر. كان المسلم يذهب للجامع عند الآذان، والمسيحي يذهب إلى الكنيسة مع صوت الجرس.

كانت هناك ثقافة تسامح. عاش الناس مع الثقافة المتداخلة. ولكن للأسف توقفت قليلاً في سنوات التسعينيات. حاولنا استعادة الثقافة القديمة بترميم كنيسة سورب جيراجوس وتغير وجه الحي حيث اختلطت صوت ذلك الجرس القديم مع الآذان.

كان يأتي الناس من مختلف الثقافات. كان السياح يفدون وكنا قد وصلنا لمستوى جيد جدًا. كان يأتي حوالي 700 شخص لزيارة الكنيسة يوميًا. كان هناك تفاعل بين الثقافات.

ولكن مع الأسف حدث هذا المشهد للهدم الذي لم نوافق عليه ولم نرغب به جميعًا. لقد هدم ذلك النسيج ذو السبعة آلاف سنة. بعد هذا المشهد لم تُقرع الأجراس ولم يُرفع الآذان. كانت هذه الأشياء جميلة وهي جنبًا إلى جنب.”

لفتت الانتباه كلمات المسؤلين الحكوميين الذين جاءوا إلى ديار بكر بأن “ديار بكر هي مدينة الصحابة” بدون ذكر أي ثقافة أو معتقد مختلف. وأوضح تركان أن هذا الكلام قد قيل عن وعي، وقال “هذه ليست مدينة الصحابة فقط، بل كانت هذه المدينة مهدًا لحضارات عديدة. ولكن الأجواء القديمة لم تعد موجودة الآن للأسف.”

قال تركاي أنه بوضع ديار بكر الحالي يوجد أربعة كنائس مملوكة للأرمن، وأوضح أن الأربعة مغلقة الآن، وأضاف: “يعني إغلاق الكنائس لنا الكثير. حيث لم تحدث أية نشاطات طوال فترة الاشتباكات. ولم تنظم أية فعاليات أو مراسم دينية. قبل ذلك كانت تقام الأفراح ومراسم الأعياد وشعائر عيد الفصح. ولكن لم يحدث أيّ منها منذ فترة وهذا الوضع هو وضع محزن بالنسبة للأرمن.”

إن الكنيسة الوحيدة النشطة في ديار بكر الآن هي كنيسة الأم مريم السريانية. لم تتعرض الكنيسة لأضرار كونها خارج الأحياء الواقع بها الاشتباكات وحظر التجوال، ودائمًا ما تكون مفتوحة وتقام بها الشعائر الدينية عدا بعض الأيام.

تقام الشعائر في الكنيسة ثلاثة أيام في الأسبوع. يعيش قس الكنيسة يوسف أكبولوت فيها منذ عام 1993م. وتحدث أكبولوت لأحوال تركية قائلًا: “أقيمت العبادات في كنيسة الأم مريم بدون انقطاع. ولم تحدث أية مشاكل وارتفع صوت الأجراس جنبًا إلى جنب مع صوت الأذان. وهذا تنوع ثقافي. أما الآن تقام الشعائر ثلاثة أيام في الأسبوع. ليت الشعائر تقام في جميع الكنائس بلا انقطاع ولكن للأسف هذا لم يحدث. الكنيسة النشطة الوحيدة الآن هي هذه الكنيسة. نسعى دائما للسلام، ورافضين للحروب بأي مكان في العالم، فقط السلام. أما الكنيسة فظلت مغلقة لفترة قصيرة أثناء الاشتباكات التي حدثت في سور. وبقينا في فندق لبضعة أيام. ثم جئنا مرة أخرى وفتحنا واستمرينا.” وأكمل أكبولوت الذي أوضح أن عدد زوار الكنيسة قد تناقص بسبب العمليات التي تحدث قائلًا: “انخفضت نسبة عدد الزائرين كثيرًا بالمقارنة بالنسبة القديمة. ففي السابق كان يأتي السياح المحليون والأجانب بأعداد كبيرة، وكان هذا في نفس الوقت يؤمن إضافة كبيرة لاقتصاد المدينة. ولكن بعد الاشتباكات قل عدد الزوار بشدة.

أعيش هنا منذ سنوات، وحتى اليوم لم يحدث لنا أي مشاكل مع المواطنين هنا. علاقتنا بجيراننا جيدة. هم يحبوننا ونحن أيضًا نحبهم. أما الآن فبقي بدياربكر 50-60 سرياني. حيث رحل البعض إلى غرب تركيا وهاجر البعض الآخر إلى أوروبا”.

بقلم: سيدار غونيس | نقلا عن ميدل إيست أونلاين

scroll to top