14958.jpg

ماذا يعني تحرير دير الزور بالنسبة للأرمن؟

ماذا يعني تحرير دير الزور بالنسبة للأرمن؟

تتجه الأنظار في هذه الأيام الى المنطقة الشرقية من سوريا، ولاسيما الى دير الزور. والجميع يتابع بدقة عملية فك الطوق عن دير الزور من داعش، والإنجاز الكبير لعمليات دخول الجيش العربي السوري الى مدينة دير الزور، والقضاء على الإرهاب في تلك المنطقة.

ومن بين هؤلاء “الجميع” الأرمن في أرمينيا وفي كل أرجاء العالم، ولا سيما السوريين الأرمن.

وربما يتساءل البعض لماذا؟، وماذا يعني تحرير دير الزور بالنسبة للأرمن؟

لقد باتت دير الزور مقبرة جماعية للأرمن الذين تم تهجيرهم قسرياً من بلادهم باتجاه الصحراء السورية خلال عمليات الإبادة الأرمنية في فترة الإمبراطورية العثمانية، حيث كانت قوافل الأرمن المتجهة جنوباً تمر بحلب ورأس العين والرقة ثم دير الزور بأوامر صادرة من الحكومية التركية. وقد أطلق أهالي منطقة الفرات على تلك العمليات بـ”السوقيات”.

وبقي الأرمن بحماية أهل الدير، الى أن تمكنوا من الانخراط في المجتمع الديري. ونرى أن المؤرخين لمنطقة الفرات قد تطرقوا إلى موضوع تواجد الأرمن في دير الزور والمجازر الأرمنية في كتاباتهم. ففي كتابه “تاريخ دير الزور” ينقل الباحث أحمد شوحان من منطقة دير الزور حقائق تاريخية، ويشير الى أن الأتراك اتبعوا أساليب القمع والإرهاب وعملوا من أجل تتريك العرب والأرمن. أما عن موقف أهل الدير تجاه السوقيات يقول شوحان: “يعجز قلمي عن وصف السوقيات فقد كان الديريون يأسفون لما حل بالأرمن رجالاً ونساء وأطفالاً. يكفي أبناء هذه المنطقة نبلاً وكرامة أنهم أحسنوا إليهم رغم أنهم كانوا يعانون ويلات المجاعة التي حلت في وادي الفرات وأنهم كانوا يختطفون كثيراً من الأرمن من بين الجنود لإيوائهم وتهريبهم لإنقاذهم من الموت الزؤام”.

وقد ذكرت الموسوعة الأرمنية في وصف دير الزور بأنها “صحراء في سوريا، على ضفة نهر الفرات، حيث تم تصفية حوالي 200 ألف أرمني الذين هجروا من مختلف المناطق من أرمينيا الغربية وتركيا بقرار من الحكومة التركية. وقد قام العرب بمساعدة الأرمن المهجرين في منطقة حلب وعلى طريق دير الزور وأفشلوا مخططات السلطات التركية وهدفهم في تصفية الأرمن على يد العرب. والتجأ آلاف الأطفال الأرمن لدى العرب في منطقة دير الزور”.

وبذلك تحظى مدينة دير الزور على مكانة خاصة من الناحية التاريخية بالنسبة للأرمن في أرمينيا والشتات الأرمني، خاصة السوريين الأرمن، وتحمل رمزية معنوية بين المدن السورية، فقد كانت دير الزور الوجهة الأخيرة في مسير التهجير القسري لقوافل الأرمن، ومسرحاً لعمليات القتل والذبح على يد جندرمة الأتراك، ولذلك شيدت فيها كنيسة باسم الشهداء الأرمن (تم تشييد الكنيسة رسمياً عام 1991)، ومتحفاً يضم بعض الرفات ومقتنيات وخرائط تخليداً لذكرى الشهداء الذين قضوا في تلك المنطقة على يد العثمانيين الأتراك، وأضحت المدينة فيما بعد محجاً لمئات آلاف الأرمن في 24 نيسان من كل عام، بعد أن أعلنها في عام 2002 الكاثوليكوس آرام الأول للأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا بأنها محج للأرمن.

أما على الصعيد الدولي، فقد تم افتتاح القنصلية الفخرية لجمهورية أرمينيا في دير الزور في 11 شباط 2010 ، وحضر حفل الافتتاح نائب وزير الخارجية الأرميني.

وهنا لابد من الإشارة أيضاً الى الكلمة التي ألقاها رئيس جمهورية أرمينيا سيرج سركيسيان في باحة كنيسة الشهداء للأرمن في دير الزور، خلال زيارته الرسمية الى سوريا، في آذار 2010، حيث صرح بلغة شديدة اللهجة أن “دير الزور هي أوشفيتز الأرمن”، وقال: “غالباً ما يقارن المؤرخون والصحفيون دير الزور بـ” أوشفيتز”. وأعتقد أن التسلسل الزمني يفرض علينا وضع الحقائق في إطار مغاير: “دير الزور هي أوشفيتز الأرمن”. وأنا اليوم هنا كرئيس لجمهورية أرمينيا وللأرمن، أسأل: متى وأين ستقام محاكمة نورمبرغ للأرمن؟”.

والحدث الأبرز في هذا الصدد، حين أقدم تنظيم داعش الإرهابي على تفجير كنيسة شهداء الأرمن في حي الرشدية بمدينة دير الزور في 21 أيلول 2014.

وقد لقي تدمير الكنيسة إدانة عالمية واسعة النطاق، وخاصة من الأوساط الرسمية الأرمنية في أرمينيا والشتات. وحينها أصدر وزير خارجية أرمينيا إدوارد نالبانديان بياناً أدان فيه تدمير كنيسة الشهداء الأرمن بدير الزور، حيث جاء في البيان: “ندين بشدة تفجير كنيسة الشهداء الأرمنية بدير الزور على يد الإرهابيين، وهي الكنيسة التي تضم رفات العديد من شهداء الإبادة الأرمنية في دير الزور. إن هذا الاعتداء الهمجي على الأماكن المقدسة يدل مرة أخرى على الطبيعة الهمجية لتنظيم “دولة الإسلام” الإرهابي. وينبغي على المجتمع الدولي منع هذا الطاعون الذي يهدد الإنسانية المتحضرة، ومنع سبل تمويله ودعمه”.

وكذلك أشار رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الأرمينية فيكين سركسيان الى تورط تركيا في تفجير الكنيسة بدعمها للإرهابيين، مؤكداً أنه إذا لم يكن لتركيا علاقة بالعملية الإرهابية المنفذة ضد كنيسة شهداء الأرمن بدير الزور فينبغي عليها إصدار بيان يدين تلك الجريمة على الفور، وأن تفجير الكنيسة هو دليل آخر على أن جريمة المجزرة الأرمينية ستستمر طالما لم يتم الاعتراف بها والمعاقبة عليها كليا.

بدوره أدان نائب رئيس البرلمان الأرميني والمتحدث باسم الحزب الجمهوري الحاكم ادوارد شارمازانوف بشدة تفجير الكنيسة الأرمينية بدير الزور مؤكداً أن هذه الجريمة الإرهابية تهدف إلى القضاء على “القيم الروحية الأرمينية والمسيحية”. وأوضح شارمازانوف أن تفجير الكنيسة هو تتمة لتدمير عشرات الآلاف من النصب التذكارية الارمينية في الاراضي التركية مشيرا الى التقصير الدولي في ادانة تلك الممارسات التعسفية التي ترمي الى القضاء على التراث الثقافي الأرميني.

واليوم… إن تحرير دير الزور يعني القضاء على الإرهاب.. وتحرير دير الزور هو إنجاز استراتيجي يسجل للجيش العربي السوري والقوات الحليفة.. وتحرير دير الزور يعني تحرير كنيسة الأرمن من الإرهاب … وتحرير دير الزور يعني تحرير رفات الشهداء الأرمن…وإعادة بناء الكنيسة مع إعادة بناء مدينة دير الزور..

واليوم، بعد تحرير دير الزور، ومن جديد، سيرقد شهداء الإبادة الأرمنية في صحراء دير الزور بسلام…

بقلم الدكتورة نورا أريسيان، عضو مجلس الشعب السوري

scroll to top