12137.jpg

اعتقال النواب الأكراد .. آخر مسمار في نعش السلام والاستقرار في تركيا

اعتقال النواب الأكراد.. آخر مسمار في نعش السلام والاستقرار في تركيا

أعلن حزب الشعوب الديمقراطي التركي تعليق نشاطه التشريعي بعد اعتقال زعيميه ونواب آخرين من الحزب في إجراء أثار انتقادات دولية.. وأكد الحزب وهو ثاني أكبر حزب معارض في برلمان تركيا أن نوابه لن يشاركوا في جلسات البرلمان أو الاجتماعات الخاصة باللجان البرلمانية.

في ربيع سنة 2015 كان لعبد الله أوجلان الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني رسالة سلام، أكد فيها أنها دعوة تاريخية لاستبدال المعركة المسلحة بالسياسة، لكن الدعوة وجدت آذانا صماء، وباتت بعد فترة قصيرة محل اتهام بين أطراف الصراع حول المتسبب في انهيار مرحلة المهادنة القصيرة بين أنقرة والعمال الكردستاني، لكن الأكيد بحسب كثيرين أن نعش السلام مع الأكراد في تركيا دُقت آخر مساميره باعتقال قيادات سياسية كردية ونواب في البرلمان.

تهم الاعتقالات ليست بالهينة فهي تتعلق بدعم الإرهاب والدعاية له، أي أن الدولة التركية أعلنت القطيعة مع الحزب السياسي الكردي الوحيد /حزب الشعوب الديمقراطي/ الذي استطاع أن يفرض نفسه ككتلة سياسية مهمة بدخوله البرلمان، ولعل ذلك من الأسباب التي ستعجل بهبوط الحزب ربما بوتيرة أسرع من صعوده.

زعيم حزب الشعوب صلاح الدين ديمرطاش –المسجون حاليا- أطلق تصريحا عقب فوز حزبه بانتخابات حزيران/يونيو 2015 وجهه للرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال فيه: “لن نسمح لك بأن تصبح رئيسا تنفيذيا”، ورفض ديميرطاش التغيير الدستوري الذي يريده إردوغان لنقل كل الصلاحيات إليه، وقتها فتحت صفحة جديدة في علاقة الحزب الكردي مع السلطة في تركيا، وبات صوت السلاح أعلى من صوت النواب الأكراد في البرلمان.

وبحسب متابعين فإن بقاء الأكراد في البرلمان يمثل عقبة كبيرة أمام مساعي حزب العدالة والتنمية لتعديل الدستور، أولا لأن مقاعده قدت من حصة الحزب الحاكم، وثانيا خلق تواجد الأكراد في البرلمان هوة واسعة بين العدالة والتنمية والحركة القومية بزعامة دولت بهتشلي الذي لم يخف رفضه لعملية السلام مع الأكراد، وبالتالي اصبح الحزب الحاكم مضطرا ربما لاستئصال حزب الشعوب إذا ما أراد كسب الحركة القومية في معركة تغيير النظام السياسي التركي إلى نظام رئاسي، وربما ذلك ما يفسر لقاء إردوغان بدولت بهتشلي قبل يوم من شن حملة الاعتقالات التي طالت قيادات حزب الشعوب الديمقراطي،،

وككل مرة قلق الاتحاد الأوروبي من تدابير أنقرة مع نوابها، واستدعت ألمانيا القائم بالأعمال التركي لديها على خلفية اعتقال النواب، وتصريحات إردوغان التي انتقد فيها الدعم الألماني لحزب العمال الكردستاني، لكن ذلك بحسب الوقائع لن يقلق أنقرة التي بادرت بانتقاد الموقف الأوروبي واتهمت دولا فيه بدعم الإرهاب على اعتبار أن العمال الكردستاني تنظيم إرهابي، علما أن هذا التوتر ليس الأول ولا الأكبر بين أنقرة وبروكسل، فمنذ رحيل أحمد داوود أوغلو عن رئاسة الوزراء باتت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ليست أولوية لدى إردوغان أو الحكومة التركية، لأن السلطة في أنقرة أصبح لديها يقين بأن إجراءات تعديل الدستور ومنح السلطات للرئيس لن يقبلها الاتحاد الأوروبي، ولعل ذلك ما يفسر ذهاب داوود أوغلو وهو على بعد خطوات فقط عن إتمام اتفاق تاريخي مع بروكسل.

على مدى عقود من الصراع لم يتمكن الجيش التركي من القضاء على مسلحي حزب العمال الكردستاني /بي كا كا/، صراع سقط فيه عشرات الآلاف من القتلى، ويهدف إلى تحقيق مسعى شريحة واسعة من أكراد تركيا والذي بدأ بالحديث عن الانفصال وتقلص للمطالبة بإقامة حكم فدرالي في المناطق ذات الأغلبية الكردية بالبلاد، لكن تصعيد أنقرة في الوقت الحالي قد يعيد مطلب الانفصال وبقوة، خاصة إذا وضعنا ظروف المرحلة الحالية على الطاولة، فالأكراد في المنطقة يعيشون أزهى مراحل قوتهم في الحرب على داعش والتحالف مع واشنطن، فيما تبدو تركيا مشتتة على عدة جبهات خارج البلاد وداخلها.

ومع اعتقال ديميرطاش والنواب الآخرين، تعود تركيا وفق البعض بالزمن إلى الوراء، إلى سنوات التسعينات التي سادتها الصراعات الداخلية والاقتصاد المتعب، ففي عام 1994 اعتقلت السلطة مجموعة من النواب الأكراد ودخلت البلاد في مرحلة من العنف المتصاعد، وإذا ما تكرر المشهد هذه المرة، فإن ما بناه حزب العدالة والتنمية في عقد من الزمن فقط، قد نجده في أي لحظة منهاراً لأن بذور الصراع بدأت بالإنتاش ولم يتبق الكثير لحصادها.

بقلم: سامي لسمر | نقلا عن روسيا اليوم

scroll to top