11464.jpg

طالت غربتنا.. بقلم: ليون زكي

طالت غربتنا.. بقلم: ليون زكي

عندما حزمنا أمتعتنا مضطرين وغادرنا بيتنا ومقر عملنا ومدينتنا حلب، التي لم نفكر يوماً بالرحيل عنها، ظننا أن المكوث بعيداً عنها لن يطول وأن عهدنا ووعدنا لها بالعودة سيتجدد مع طلوع شمس يوم قريب، ولم نكن نحتسب أن الفراق سيطول وأن الغربة ستطوي آمالنا وتشتت شملنا وتقذف بنا في عالم النسيان والضياع بعيداً عن مهد طفولتنا وملعب صبانا ومستقبل أيامنا.

لم نعتد العيش من دون أمل بعدما طويت صفحات حاضرنا وغدا موعدنا مع قادم أيامنا بلا حنين إليها. أيقظتنا صدمة أزمتنا من زيف واقعنا الذي كنا نتشدق بتعايشه السمح وبتقديمنا الولاء والطاعة لواجباته قبل نيل حقوقنا.

استفقنا على عالم كنا نعتقد أنه يتسع لكل أطيافنا وفوجئنا بأنه لم يعد يستوعب فئة قليلة منا.

تهافتوا جميعهم على حلب في الحرب كما في السلم فعجزوا أن ينالوا منها، هددت كراسيهم وعروشهم بصمودها فلم يتركوا فيها حجر على حجر لكنهم عجزوا عن فهم سر انبعاثها من كل محنة من تحت الرماد كطائر الفينيق. هالهم أن يمنحوها حتى ولو هدنة حقيقية توقف الاقتتال فيها وعليها كي يرفل أهلها ولو بقسط قليل من السلام الذي فارقها منذ عهدها بالحرب التي يراد منها أن تسلبها دورها كحاضرة للرخاء والأمن لكن هيهات ذلك.

وتعمدوا حتى من خلال هدنها قصيرة العمر وبعد أكثر من خمس سنوات من الاقتتال تدمير ما تبقى من أوابدها وعزة وشموخ أبنائها الرافضين للحرب التوّاقين للسلام الذي يقترن بالبناء والعمل والتجارة وتوطيد علاقات الصداقة والتآلف بين الدول والشعوب، وهو دورها الذي اطلعت به على مر الأزمان على الرغم من طمع الممالك والإمبراطوريات والاستعمار بمقدراتها التي هي من صنع أهليها فقط.

غداً لما نعود، ولا بد أن نعود، سنعيد بناء ما دمرته أيدينا ومعاول الغرباء في شهبائنا وسنراهن على عودة جميع أبنائها إليها لأنهم غير قادرين على الحياة بدون نعيمها الذي لا ينقطعولن ينقطع أبداً ما دام فيها عرق ينبض وما دامت إرادتنا أقوى من بطش وجورالآخرين ومهما طالت غربتنا عنها.

بقلم: ليون زكي | خاص لموقع خبر أرمني

scroll to top