10777.jpg

توافق مصالح إسرائيل وتركيا وأذربيجان في جنوب القوقاز

أكد مقال نشرته “جيروزاليم بوست” أنه “لا توجد دولة في الفضاء الأوراسي لديها علاقات ودية ووثيقة مع إسرائيل مثل جمهورية أذربيجان”. وكان كاتب المقال خبير العلاقات الدولية الإسرائيلي الشهير آرييه غوت قبل نحو شهر في الصحيفة الإسرائيلية (06/03/2016).

وكان آرييه غوت نفسه والمؤرخ الإسرائيلي إميل أبراموف قد كتبا، في 11 نوفمبر /تشرين الثاني عام 2014، في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية مقالا بعنوان “أذربيجان – هي بلد بالغ الأهمية لإسرائيل”. ولا غرابة في ذلك، فالنخبة السياسية الإسرائيلية معروفة بدفاعها الحميم عن أذربيجان. وبدورها، تتميز النخبة السياسية الأذربيجانية، التي ظهرت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بعلمانيتها المتطرفة وعدائها للتراث العربي. وقد بينت الوثائق، التي نشرتها “ويكيليكس”، حجم التماهي بين باكو وتل أبيب، وتباعد أذربيجان عن العالمين العربي والإسلامي.

وجاء في رسالة سرية أرسلها الدبلوماسي الأمريكي روب غارفيليك في 07 يناير/كانون الثاني 2009 إلى خارجية بلاده أن أذربيجان مثل إسرائيل ترى في إيران التهديد الأكبر لأمنها بل لوجودها. ورأى الدبلوماسي الأمريكي أن إسرائيل بصناعتها العسكرية المتفوقة والمتطلبات السياسية الميسرة من زبائنها تعد توأما مثاليا لأذربيجان..

وأن أذربيجان تتمكن من الحصول من إسرائيل على أنواع حديثة من الأسلحة، وعلى تقنيات لا تستطيع الحصول عليها من الولايات المتحدة وروسيا، أو من أوروبا بسبب القيود القانونية المختلفة، أو من الجمهوريات السوفياتية السابقة مثل بيلاروس وأوكرانيا.

ويضيف الدبلوماسي الأمريكي: “هناك حيث تخشى دول الغرب بيع أذربيجان منظومات عسكرية متطورة خوفا من شنها حربا لاسترجاع أراضي قره باغ، تعقد تل أبيب بحرية صفقات أسلحة مع باكو، وتنال أرباحها من الزبون الغني”.

وكان أضخم عقد وقعه البلدان في يناير 2012 بمبلغ 1.5 مليار دولار. ووفقا له، فقد تسلمت باكو على مدى أعوام 2013، و2014، و2015 طائرات من دون طيار من طراز “هيرون-1″ و”سيرتشير-2”. وستتسلم 4 منها هذا العام. وكذلك، صواريخ “غابريل-5” المضادة للسفن، ومنظومة الدفاع الجوي “باراك-8” ومحطة الرادار للإنذار المبكر “EL/M-2032”.. إلى غير ذلك من الصفقات كبناء مصنع مشترك للطائرات من دون طيار في أذربيجان.

ومن جانبها، تراهن باكو على تجنيد اللوبي اليهودي-الأميركي لمواجهة اللوبي الأرميني الشديد التأثير في واشنطن.

ويقول إيليا بيرتمان من “مركز بيغن-السادات الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجية” إن اللوبي اليهودي في واشنطن يقف بالمرصاد للوبي الأرميني، ولسياسته الرامية إلى الحد من المساعدات الأميركية إلى باكو (02/11/2011- “WIN.ru”).

وربما لذلك، يحرص الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف دوما خلال زياراته إلى الولايات المتحدة على لقاء المنظمات الأمريكية اليهودية. وكان آخرها قبل أيام في 30 مارس/آذار الماضي مع “لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية” (أيباك) و”التحالف الوطني الأوراسي لدعم اليهود” ورؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى في واشنطن (وفق “آذر-تاس”).

وقد وصف الرئيس الأذربيجاني بدقة، في مايو/أيار من عام 2008، العلاقات بين باكو وتل أبيب بأنها “جبل جليد 90% منه متوار تحت الماء بعيدا عن أعين الدخلاء”.

ومن جانب إسرائيل، فمن الضروري لها الحفاظ على أذربيجان حليفا على الحدود مع غريمتها إيران، وسوقا ورأس جسر لأنشطتها الاستخبارية، ولا سيما أن الاستخبارات الإسرائيلية في أذربيجان تشعر بنفسها كأنها في بيتها؛ كما قال دبلوماسي إسرائيلي سابق لموقع “IZRUS” الإسرائيلي الروسي في عام 2009.

كما أن تل أبيب تؤيد باكو في نزاع إقليم قره باغ انطلاقا من مصالح إسرائيل في الشرق الأوسط. فهي ترى أن الحل العسكري للنزاع على قره باغ سيؤدي حتمًا إلى اهتزاز موقع موسكو في جنوب القوقاز، وسيخلق لها مشكلات كبيرة في حديقتها الخلفية؛ ما يمكن أن يكون ذريعة لمطالبة موسكو بالحد من دورها في الأزمة السورية.

لكن باكو من ناحية أخرى، توازن علاقات الصداقة مع إسرائيل بصورتها في الدول العربية والإسلامية. وهي حريصة بجميع الوسائل على عدم إثارة غضب إيران. إذ رغم مرور 23 عاما على افتتاح سفارة إسرائيلية عام 1993 في باكو، فإن الأخيرة لا تجرؤ على افتتاح سفارة لها في تل أبيب، لأن طهران تقف لها بالمرصاد، مهددة بتضييق الخناق على منطقة ناخيتشيفان المنعزلة، التي تفصلها عن الأراضي الأذربيجانية من الشمال أرمينيا وتحدّها من الجنوب إيران.

كذلك، فإن أذربيجان لم تنضم إلى التحالف الإسلامي، الذي أعلنت السعودية عن تشكيله، في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الشعوب العربية بصورة عامة تقف إلى جانب أرمينيا، التي تحافظ على علاقات وثيقة مع الدول العربية، ربما بفضل الجاليات الأرمينية فيها.

بيد أن لتركيا (الشقيق الأكبر) لأذربيجان موقف آخر. فرغم أنها لم تتدخل عسكريا في النزاع، الذي استمر بوتائر متقطعة منذ عام 1988 إلى عام 1994، فقد وقفت الآن ومن دون مواربة إلى جانب أذربيجان (الشقيق الأصغر) في النزاع. وتسعى لتحويله إلى نزاع طائفي.

غير أنه، وبفضل رجال الدين في أرمينيا وأذربيجان وروسيا، لم يحالفها النجاح رغم وجود قوى ذات مصلحة في ذلك، وفق المدير التنفيذي لمركز المجمع الشعبي الروسي العالمي رومان سيلانتييف.

ولعل تركيا بضلوعها في تأجيج النزاع، تريد الثأر لتحجيمها على الساحة السورية، ولا سيما أن الوضع توتر في منطقة نزاع قرة باغ بعد توافد الوفود التركية في الأشهر الأخيرة على باكو. “بل إن أردوغان كان ينوي المجيء إلى أذربيجان لولا العمليات الإرهابية المتوالية في المدن التركية”، كما يقول مدير مركز دراسة بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سيميون بغداساروف.

وباعتقاد النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير جباروف، فإن “النزاع احتدم بعد سلسلة زيارات للمسؤولين الأتراك الرسميين إلى باكو، وتقديمهم المساندة لأذربيجان في هذا النزاع”.

فهل يريد “السلطان الأكبر” تحقيق أحلامه الوردية بفتح معركة جديدة، لمصلحة إسرائيل وأذربيجان في جنوب القوقاز، الذي كان ساحة قتال دائمة بين الدولة العثمانية وإيران والإمبراطورية الروسية؟

بقلم: حبيب فوعاني

scroll to top